الخميس, نوفمبر 21, 2024
Google search engine
الرئيسيةمداراتالتراث الإنساني في تمبكتو مهدد

التراث الإنساني في تمبكتو مهدد

ناصر زيدان

مدينة تمبكتو في شمال مالي تعتبر من أهم المناطق التي تحتضن التراث الإنساني، وفق تصنيف منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو». والمنظمة وضعت جوامع المدينة الأربعة، وأضرحة الأولياء الصالحين على لائحة أهم المعالم الأثرية في العالم. والمدينة التي تسمَّى «جوهرة الصحراء»؛ كانت من أغنى مدن العالم على الإطلاق في القرون الوسطى، وكان فيها 100 مدرسة تستقطب طلاب العلم من كل الدول العربية والإسلامية، وهي احتلَّت المكانة التي كانت تمثلها مدينة غرناطة بعد سقوطها في العام 1492.

أعلنت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» وهي فرع من منظمة القاعدة الإرهابية في غرب إفريقيا؛ فرض حصار على مدينة تمبكتو من الجهات الثلاث، ومن الناحية الجنوبية التي تصلها بنهر النيجر الذي تعبره السفن والقوارب القادمة للمدينة، وقد وقعت عدة حوادث من مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي بين عناصر الجماعة وبين القوات الحكومية المالية التي تساندهم مجموعات من عناصر «فاغنر» الروسية. لكن رئيس وزراء مالي شوغيل كوكالا يطلب من السكان مقاومة قوات «النصرة»، وتحدي الحصار الذي تفرضه على المدينة، بينما قوات «النصرة» تسيطر بالفعل على غالبية شمال مالي، وعلى مثلث «الموت» الذي يصل بين مالي والنيجر وبوركينافاسو، والاتفاقية التي وُقعت بين حكومات الدول الثلاث لمقاومة مجموعات «نصرة الإسلام والمسلمين» في 7-9-2023 لم تفلح في السيطرة الكاملة على المنطقة الصحراوية الوعِرة.

تؤكد المعطيات المتوافرة أن الصراعات الدولية لها باع طولى في تسخين الساحة وسط الغرب الإفريقي، لا سيما بعد التغييرات التي حصلت في مالي والنيجر والغابون من جراء استيلاء القيادات العسكرية على السلطة. وهذه التطورات لم تكُن في صالح فرنسا والولايات المتحدة، وللدولتين قواعد عسكرية في المنطقة، بينما استفادت روسيا من هذه التغييرات، وبدت شركة «فاغنر» الأمنية صاحبة نفوذ لدى السلطات الجديدة في الدول الثلاث، وهي تساعد هؤلاء في مواجهة النفوذ الفرنسي على وجه التحديد.

انسحاب فرنسا من جزء من ساحة نفوذها التاريخية في المنطقة؛ شجَّع المجموعات المتطرفة على الاندفاع باتجاه تحقيق المزيد من السيطرة على جغرافيا وسط الغرب الإفريقي، لا سيما في جنوب الصحراء الكبرى. وهذه المجموعات، خصوصاً منظمة «نصرة الإسلام المسلمين» القاعدية؛ كانت قد استفادت من التطورات الأمنية في ليبيا، وامتلكت السلاح، وتمدَّدت في المنطقة، وسيطرت على مدينة تمبكتو بالذات عام 2012، وقامت بهدم أضرحة الأولياء الصالحين، لأنها تعتبر ذلك جزءاً من الصنمية التي تتعارض مع القيم الإسلامية. لكن منظمة اليونيسكو أعادت ترميم هذه الأضرحة كما كانت بعد انسحاب المجموعات الإرهابية، وهي تعتبر أن الجوامع الأربعة في تمبكتو والأضرحة المجاورة لها قيمة حضارية وإنسانية ومعمارية لا يجوز التفريط بها على الإطلاق.

لم تحرِّك القوات الأمريكية الموجودة في غرب إفريقيا ساكناً في مواجهة الاندفاعة الجديدة لمنظمة «نصرة الإسلام» التي يقودها الطوارقي أياد آغ غالي، وتحدثت بعض المعلومات عن تشجيع يحظى به غالي، بهدف إزعاج السلطات العسكرية التي سيطرت على أنظمة الحكم في جمهورية مالي، كما في النيجر والغابون، لأن حكام هذه الدول الجُدد يتعاطفون مع روسيا، وهناك مَن يعتبر أن مساندة شركة «فاغنر» لهؤلاء ساعدت في سرعة استيلائهم على السلطة. ومنظمة «نصرة الإسلام» القاعدية؛ استفادت من مغادرة القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة من مالي منذ نهاية العام 2022، وتحاول المنظمة استمالة السكان المحليين عن طريق الترهيب والترغيب للتعاون معها، وتعِدهم بالحماية، وبتوفير سبل العيش الكريم بعد طرد القوات الحكومية من محافظة تمبكتو بكاملها، والمحافظة تمثل ما يزيد على 37 بالمئة من مساحة دولة مالي الشاسعة. لكن حكومة مالي تبدو أكثر تشدداً في مواجهة هؤلاء، وهي بحجة هذا التهديد أجّلت الانتخابات التي كانت ستجري في شباط/ فبراير 2024، لتسليم السلطة لمدنيين منتخبين من الشعب.

التراث الإسلامي والإنساني مُهدد بالفعل من جراء التطورات في غرب إفريقيا، وخصوصاً في شمال مالي. والجوامع والأضرحة التي بُنيت بطريقة فريدة في القرون الوسطى بمدينة تمبكتو التي كانت تعتبر الأغنى في العالم؛ هي بمثابة تحف معمارية وفنية لا مثيل لها في العالم، وقد يصيبها خطر إذا ما تمكنت المجموعات الإرهابية من السيطرة على المنطقة، وقد تُكرِّر ما فعلته في العام 2012.

من الواضح أن صراعات إفريقية دولية جديدة ستنعكس سلباً على بعض معالم القارة السمراء.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شعبية

احدث التعليقات